فصل: تفسير الآية رقم (38):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (38):

{وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)}
{آبآئي} {إِبْرَاهِيمَ} {وَإِسْحَاقَ}
(38)- وَقَالَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلامُ، لِلْغُلامَينِ: إِنَّهُ تَرَكَ طَرِيقَ الكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَاتَّبَعَ سَبِيلَ المُرْسَلِينَ المُهْتَدِينَ مِنْ آبَائِهِ، صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وهذا التَّوْحِيدُ وَالاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ لا إِلهَ إِلا اللهُ، هُوَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَى النَّاسِ أّنَّهُ جَعَلَ يُوسُفَ وَآبَاءَهُ دُعَاةً لِلنَّاسِ إِلى الخَيْرِ، وَإِلَى سَبيلِ اللهِ القَّويمِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ، وَلا يَشْكُرُونَهُ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ بِالطَّاعَةِ وَالإِيمَانِ وَحُسْنِ العَمَلِ.

.تفسير الآية رقم (39):

{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)}
{ياصاحبي} {أَأَرْبَابٌ} {الواحد}
(39)- وَسَأَلَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلامُ، الفَتَيَيْنِ، وَهُوَ يَدْعُوهُمَا إِلَى الإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ: هَلْ عِبَادُة أَرْبَابٍ مُتَفَرِّقِينَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً، خَيْرٌ أَمْ عِبَادَةُ اللهِ وَحْدَهُ، وَهُوَ الإِلهُ الوَاحِدُ الذِي لا يُقْهَرُ وَلا يُغَالَبُ، وَقَدْ ذَلَّ لِعِزَّتِهِ وَجَلالِهِ كُلُّ شَيءٍ.
(أَشَارَ يُوسُفُ إِلَى الآلِهَةِ المُتَفَرِّقِينَ، لأنَّ التَّفَرُّقِ يَقْتَضِي التَّنَازُعَ وَالاخْتِلافَ فِي الأَعْمَالِ وَالتَّدْبِيرِ وَيَقتَضِي إِفْسَادَ نِظَامِ الكَوْنِ).

.تفسير الآية رقم (40):

{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)}
{آبَآؤُكُمْ} {سُلْطَانٍ}
(40)- ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: إِنَّ مَا يَعْبُدُونَهُ هُمْ وَآبَاؤُهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ الحَقِّ مِنْ آلِهَةٍ أُخْرَى، كَالأَصْنَامِ وَالأَوْثَانِ... هِيَ أَسْمَاءٌ سَمَّوْهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، تَلَقَّاهَا خَلَفُهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ، وَلَيْسَ لِذلِكَ مُسْتَندٌ عِنْدَ اللهِ، وَلا حُجَّةٌ وَلا بُرْهَانٌ. ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ الحُكْمَ وَالمَشِيئَةَ وَالمُلْكَ، كُلُّ ذَلِكَ للهِ وَحْدَهُ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ قَاطِبَةً، أَنْ لا يَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ. ثُمَّ قَالَ لِلْغُلامَيْنِ: إِنَّ مَا يَدْعُوهُمَا إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، هُوَ الدَّينُ القَوِيمُ المُسْتَقِيمُ الذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ هَذِهِ الحَقِيقَةَ لِذلِكَ كَانُوا مُشْرِكِينَ.
الدِّينُ القَيِّمُ- الدِّينُ القَوِيمُ المُسْتَقِيمُ بِالبَرَاهِينِ.

.تفسير الآية رقم (41):

{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)}
{ياصاحبي}
(41)- ثُمَّ قَالَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ يُفَسِّرُ حُلْمَ الشَّابَّينِ: إِنَّ أَحَدَهُمَا، وَهُوَ الذِي رَأَى نَفْسَهُ فِي المَنَامِ يَعْصِرُ خَمْراً، سَيَخْرُجُ مِنَ السِّجْنِ، وَسَيَسْقِي سَيِّدَهُ المَلِكَ (رَبَّهُ) الخَمْرَ، وَإِنَّ الآخَرَ- وَهُوَ الذِي رَأَى أَنَّهُ يَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِهِ خُبْزاً تَأْتِي الطَّيْرُ فَتَأْكُلُ مِنْهُ- فَإِنَّهُ سَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ لَحْمِ رَأْسِهِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمَا إِنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ سَيَقَعُ بِتَمَامِهِ، وَإِنَّهُ أَمْرٌ مَقْضِيٌّ مِنَ اللهِ.

.تفسير الآية رقم (42):

{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)}
{فَأَنْسَاهُ} {الشيطان}
(42)- ثُمَّ قَالَ يُوسُفُ لِلسَّاقِي الذِي تَوَقَّعَ أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مَن السَّجْنِ: اذْكُرْ حَالِي وَقِصَّتِي عِنْدَ سَيِّدِكَ المَلِكِ، لَعَلَّهُ يُنْصِفُنِي، وَيُخْرِجُنِي مِنَ السِّجْنِ، فَنَسِيَ الشَّابُ يُوسُفَ وَمَا قَالَهُ، فَبَقِيَ يُوسُفُ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ.
(وَالبِضْعُ تُسْتَعْمَلُ فِي الأَعْدَادِ لِمَا بَيْنَ الثَّلاثِ وَالتِّسْعِ، وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ عَلَى السَّبْعِ).

.تفسير الآية رقم (43):

{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)}
{بَقَرَاتٍ} {سُنْبُلاتٍ} {يَابِسَاتٍ} {ياأيها} {رُؤْيَايَ} {لِلرُّؤْيَا}
(43)- وَرَأَى المَلِكُ رُؤْيَا هَالَتْهُ، وَتَعَجَّبَ مِنْ أَمْرِهَا، فَجَمَعَ الكَهَنَةَ، وَكِبَارَ رِجَالِ الدَّوْلَةِ فَقَصَّ عَلَيْهِمْ رُؤْيَاهُ، وَطَلَبَ إِلَيْهِمْ تَفْسِيرَهَا فَلَمْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ. وَقَدْ رَأَى المَلِكُ فيِ مَنَامِهِ سَبْعَ بَقَرَاتٍ عِجَافٍ هَزِيلاتٍ يَأْكُلْنَ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ، وَرَأَى سَبْعَ سَنَابِلَ قَمْحٍ عِجَافٍ يَابِسَاتٍ، وَسَبْعَ سَنَابِلَ خُضْرٍ سِمَانٍ.
عِجَافٍ- مَهَازِيلُ جِدّاً.
تَعْبُرُونَ- تَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهَا وَتَفْسِيرَهَا.

.تفسير الآية رقم (44):

{قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)}
{أَضْغَاثُ} {أَحْلامٍ} {الأحلام} {بِعَالِمِينَ}
(44)- فَرَدَّ الكَهَنَةُ وَرِجَالُ الدَّوْلَةِ عَلَى المَلِكِ قَائِلِينَ لَهُ: هَذِهِ الرُّؤْيَا هِيَ مِنَ الأَحْلامِ المُخْتَلَطَةِ، مِنْ خَوَاطِرٍ وَخَيَالاتٍ، يَتَصَوَّرُهَا الدِّمَاغُ فِي النَّوْمِ، وَتَهْجُسُ بِهَا النَّفْسُ، فَلا تَعْنِي شَيْئاً مَقْصُوداً بِذَاتِهِ، وَإِنَّهُمْ لا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى تَفْسِيرِ وَتَأْوِيلِ مِثْلِ هذِهِ الأَحْلامِ المُضْطَرِبَةِ، وَإِنَّمَا هُمْ يَعْلَمُونَ تَفْسِيرَ الأَحْلامِ المَفْهُومَةِ المَعْقُولَةِ.
(وَقَدْ يَكُونُ المَعْنَى: إِنَّهُمْ يَنْفُونَ مَعْرِفَتَهُمْ بِتَفْسِيرِ الأَحْلامِ عُمُوماً لأَنَّهَا صُوَرٌ وَخَيَالاتٌ تُعْرَضْ لِلمُخَيِّلَةِ فِي النَّوْمِ).
أَضْغَاثُ أَحْلامٍ- تَخَالِيطُ أَحْلامٍ وَأَبَاطِيلُهَا، أَوْ بَاقَاُت أَحْلامٍ.

.تفسير الآية رقم (45):

{وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)}
(45)- وَتَذَكَّرَ الغُلامُ، الذِي كَانَ مَعَ يُوسُفَ فِي السِّجْنِ ثُمَّ نَجَا، أَمْرَ يُوسُفَ، وَقُدْرَتِهِ عَلَى تَفْسِيرِ الأَحْلامِ، وَتَذَكَّرَ مَا كَانَ قَدْ أَوْصَاهُ بِهِ يُوسُفُ مِنْ رَفْعِ أَمْرِهِ إِلى المَلِكِ، فَنَسِيَ ذَلِكَ، وَبَقِيَ يُوسُفُ فِي السِّجْنِ عَدَداً مِنَ السِّنِينِ. فَرَجَا المَلِكَ أَنْ يَسْمَحَ لَهُ بِالذَّهَابِ إِلَى يُوسُفَ فِي السِّجْنِ لِيَسأَلَهُ عَنْ تَفْسِيرِ حُلْمِ المَلِكْ، وَقَالَ لَهُ إْنَّهُ سَيَأْتِيهِ بِالجَّوَابِ.
ادَّكَرَبَعْدَ أُمَّةٍ- تَذَكَّرَ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ.

.تفسير الآية رقم (46):

{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)}
{بَقَرَاتٍ} {سُنبُلاتٍ} {يَابِسَاتٍ}
(46)- وَجَاءَ الشَّابُّ إلى يُوسُفَ، وَسَأَلَهُ عَنْ تَفْسِيرِ حُلْمِ المَلِكِ، وَنَعْتِهِ بِالصَّدِّيقِ، لِمَا عَرَفَهُ فِيهِ مِنَ الصَّلاحِ وَالصِّدْقِ، وَرَجَاهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ تَفْسِيرَ حُلْمٍ رَأَى فِيهِ المَلِكُ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ مَهَازِيلُ، وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ يَابِسَاتٍ، لَعَلَّهُ يَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ بَالتَّفْسِيرِ الصَّحِيحِ لِيَعْلَمَ النَّاسُ مَعْنَى هَذَا الحُلْمِ، وَلِيَعْرِفُوا لِيُوسُفَ فَضْلَهُ وَعِلْمَهُ.

.تفسير الآية رقم (47):

{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47)}
(47)- فَقَالَ يُوسُفُ مُفَسِّراً الحُلْمَ: إِنَّهُمْ سَتَأْتِيهِمْ سَبْعُ سِنِينَ مِنَ الخَصْبِ وَالمَطَرِ مُتَوَالِياتٍ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَتْرُكُوا الغَلَّةَ فِي سَنَابِلِهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ أَحْفَظَ، وَأَبْعَدَ عَنْ إِسْرَاعِ الفَسَادِ إِلَيْهَا، إِلا القَلِيلَ مِمَّا يَأْكُلُونَهُ. (فَقَدْ أَوْصَاهُمْ بِالاقْتِصَادِ وَالتَّوْفِيرِ، وَالأَكْلِ دُونَ إِسْرَافٍ لِيَبْقَى لَهُمْ وَفْرٌ كَافٍ لِسِنِيِّ الجَدْبِ التَّالِيَةِ).
دَأَباً- دَائِبِينَ كَعَادَتِكُمْ فِي الزِّرَاعَةِ.

.تفسير الآية رقم (48):

{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)}
(48) ثُمَّ تَأْتِي بَعْدَ هذِهِ السِّنِينَ، مِنَ الخَصْبِ وَالخَيْرِ، سَبْعُ سِنِينَ فِي الجَدْبِ وَالشِّدَّةِ، يَزْرَعُونَ فِيهَا وَلا يَحْصُدُونَ غَلَّةً، فَتَسْتَهْلِكُ هَذِهِ السِّنُونَ السَّبْعُ الشِّدَادُ مَا جَمَعُوهُ فِي سِنِيِّ الخَصْبِ، إِلا القَلِيلَ الذِي أَحْصَنُوهُ، وَاحْتَاطُوا لَهُ.
تُحْصِنُونَ- تُخَبِّئُونَ مِنَ البَذْرِ لِلزِّرَاعَةِ.

.تفسير الآية رقم (49):

{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)}
(49)- وَبَعْدَ هَذِهِ السِّنِينَ السَّبْعِ الشِّدَادِ يَأْتِي عَامُ خَصْبٍ وَخَيْرٍ، فَتُمْطِرُ السَّمَاءُ، وَتُغِلُّ الأَرْضُ، وَيَعْصِرُ النَّاسُ مَا كَانُوا يَعْصِرُونَهُ عَلَى عَادَتِهِمْ مِنْ سُكَّرٍ وَعِنَبٍ وَزَيْتٍ.
يُغَاثُ النَّاسُ- يُمْطَرُونَ فَتُخْصِبُ أَرْضُهُمْ.
يَعْصِرُونَ- مَا شَأْنُهُ أَنْ يُعْصَرَ كَالزَّيْتُونِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ.

.تفسير الآية رقم (50):

{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)}
{فَاسْأَلْهُ} {اللاتي}
(50)- فَعَرَفَ المَلِكُ فَضْلَ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلامِ، وَعِلْمَهُ وَحُسْنَ اطِّلاعِهِ عَلَى رُؤْيَاهُ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ أَخْرِجُوهُ مِنَ السِّجْنِ، وَأَحْضِرُوهُ إِليَّ، وَذَلِكَ لِيَسْتَمِعَ مِنْهُ، وَيَتَحَقَّقَ مِنْ صِدْقِهِ. فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ المَلِكِ إِلَى يُوسُفَ امْتَنَعَ مِنَ الخُرُوجِ مِنَ السِّجْنِ، حَتَّى يَتَحَقَّقَ المَلِكُ، وَمَنْ حَوْلَهُ، مِنْ بَرَاءَتِهِ وَنَزَاهَةِ عرْضِهِ مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنْ قِبَلِ امْرَأَةِ العَزِيزِ. فَقَالَ يُوسُفُ لِرَسُولِ المَلِكِ: قُلْ لِلْمَلِكِ لِيَسْأَلَ النِّسْوَةَ اللاتي قَطعْنَ أَيْدِيَهُنَّ حِينَمَا كُنَّ عِنْدَ امْرَأَةِ العَزِيزِ، لِمَاذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ، وَفِي جَوَابِهِنَّ مَا يَكْشِفُ عَنْ بَرَاءَتِي مِنَ التُّهْمَةِ التِي أُلْصِقَتْ بِي، أَمَّا رَبِّي فَإِنَّهُ عَلِيمٌ بِكَيْدِهِنَّ وَاحْتِيَالِهِنَّ.
مَا بَالُ النِّسْوَةِ- مَا حَالُهُنَّ وَمَا شَأْنُهُنَّ.

.تفسير الآية رقم (51):

{قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51)}
{رَاوَدتُّنَّ} {حَاشَ} {امرأت} {الآن} {رَاوَدْتُّهُ} {الصادقين}
(51)- فَجَمَعَ المَلِكُ النِّسْوَةَ اللاتِي قَطَعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، وَمَعَهُنَّ امْرَأَةُ العَزِيزِ التِي كَانَ يُوسُفُ فِي بَيْتِهَا، وَاتَّهَمَتْهُ بِمُرَاوَدَتِهَا عَنْ نَفْسِهَا، وَسَأَلَهُنَّ المَلِكُ عَنْ حَالِهِنَّ مَعَ يُوسُفَ، وَمَا اتَّهَمْنَهُ بِهِ مِنْ مُرَاوَدَتِهِ إِيَّاهُنَّ عَنْ أَنْفُسِهِنَّ (وَهُوَ إِنَّمَا يَقْصِدُ بِسُؤَالِهِ امْرَأَةَ العَزِيزِ). فَقُلْنَ: حَاشَ للهِ لَمْ نَعْرِفْ عَلَيْهِ سُوءاً، وَمَا عَرَفْنَا مِنْهُ إِلا طُهْراً وَعِفَّةً وَوَقَاراً. وَهُنَا اعْتَرَفَتْ امْرَأَةُ العَزِيزِ بِفِعْلِهَا، فَقَالَتْ لَقَدْ حَانَ الوَقْتُ لإِظْهَارِ الحَقِّ، وَجَلاءِ مَا خَفِيَ، وَإِنَّهَا هِيَ التِي رَاوَدَتْ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ صَادِقٌ فِيمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهَا هِيَ التِي رَاوَدَتْهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَاسْتَمْسَكَ بِعِصْمَتِهِ، وَأَنَّهُ هَرَبَ مِنْهَا نَحْوَ البَابِ.

.تفسير الآية رقم (52):

{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)}
{الخائنين}
(52)- وَقَالَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ: إِنَّهُ إِنَّمَا رَدَّ الرَّسُولَ، وَرَجَا المَلِكَ سُؤَالَ النِّسْوَةِ، وَالتَّحَقُّقَ مِمَّا جَرَى، لِتَظْهَرَ بَرَاءَتُهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَخُنْ مَوْلاهُ العَزِيزَ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ الذِي رُبِّيَ فِي بَيْتِهِ، وَاللهُ لا يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ. وَهَذا مَا نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ بِهِ مُجَاهِدٌ وَالحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّي، وَهُوَ الأَقْرَبُ إِلَى مَضْمُونِ النَّصِّ الذِي يَسْتَعْمِلِ القَائِلُ فِيهِ اسْمَ اللهِ، وَعِبَارَاتٍ لا يَقُولُها غَيْرُ المُؤْمِنِينَ وَالإِيمَانُ لَمْ يَكُنْ قَدْ دَخَلَ حَتَّى ذَلِكَ الحِينِ أَرْضَ مِصْرَ. ثُمَّ إِنَّ القَوْلَ- إِذَا كَانَتِ المَرْأَةُ هِيَ قَائِلَتُهُ- قِيلَ فِي حَضْرَةِ المَلِكِ وَهُوَ كَافِرٌ يَفْرِضُ عَلَى الشَّعْبِ عِبَادَةَ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَكُنْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ تَتَجَرَّأَ المَرْأَةُ عَلَى ذِكْرِ اسْمِ اللهِ أَمَامَ المَلِكِ.
وَقِيلَ إِنَّ هَذا الكَلامَ قَالَتْهُ امْرَأَةُ العَزِيزِ لِتُظْهِرَ بَرَاءَتَهَا أَمَامَ زَوْجِهَا، وَأَنَّهَا إِنَّمَا رَاوَدَتْ يُوسُفَ مُرَاوَدَةً فَقَطْ. وَلَكِنَّ السِّيَاقَ يَدْعُو إِلَى الأَخْذِ بِالقَوْلِ الأَوَّلِ:
1- لأنَّ يُوسُفَ هُوَ الذِي طَرَحَ السُّؤَالَ وَرَفَضَ الخُرُوجَ مِنَ السِّجْنِ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ بَرَاءَتَهُ، وَيَثْبُتَ أَنَّهُ لَمْ يَخُنْ سَيِّدَهُ فِي أَهْلِهِ.
2- لأنَّ المَرْأَةَ خَانَتْ زَوْجَهَا فِعْلاً بِمُرَاوَدَةِ يُوسُفَ. أَمَّا القَوْلَ بِأَنَّهَا إِنَّمَا قَصَدَتْ بِقَوْلِهَا (لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ..) يُوسفَ وَلَيْسَ زَوْجَهَا. فَإِنَّ النَّصَ لا يَحْتَمِلْ هَذا التَّأْوِيلَ الذِي لا سَنَدَ لَهُ.
2- لأنَّ المَرْأَةَ كَافِرَةٌ لا تَعْرِفُ اللهَ وَلا تُؤْمِنُ بِهِ حَتَّى تَقُولَ: {إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ} وَ {وَإِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ إلا مَا رَحِمَ رَبِّي}.
4- أَمَّا القَوْلُ بِأَنَّ المَرْأَةَ آمَنَتْ فَإِنَّ النَّصَّ لا يَحْتَمِلُهُ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّهُ لا يَتَرَتَّبُ عَلَى الأَخْذِ بِهَذا القَوْلِ أَوْ ذَاكَ كَبِيرُ أَثَرٍ لأَنَّ القِصَّةَ إِنَّمَا سِيقَتْ لِيَعْتَبِرَ النَّبِيُّ وَالمُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ أَمْراً هَيَّأَ لَهُ أَسْبَابَهُ وَتَلَطَّفَ بِهِ بِبَالِغِ حِكْمَتِهِ حَتَّى تَأْتِيَ النَّتَائِجُ كَمَا أَرَادَهَا تَعَالَى.